أعيدوا إلي طفولتي

  أعيدوا إلي طفولتي


عاد أحمد إلى البيت ,أكب على وجهه قرب زوجته قائلا :
-ألم تلاحظي نظرات الجار إلى الطفلة ؟
-طبعا سيفعل  هو وكثيرون غيره, ألم تعلم أن المال السائب يغري بالسرقة؟  
-ماذا تعنين يا امرأة؟  
- ما ان بلغت الطفلة الحلم حتى تبعت قطيع الغنم...
- والله لا أبالي  "يا تريكت لعيالات" ، أعيش بينكن كاليتيم , فهلا وضعت ذكرا ؟ .
تأملت وجوه بناتها الأربع وقالت :
-       الرجا ف الله !
أعقبتها بابتسامة ذابلة وقالت مداعبة :
-       حسبنا أنك  ولدنا الوحيد... 
     نفث في وجهها عبارات بها حمولة تهديد, فهمتها ،هي المرأة اللبيبة ,لكنها لم تعقب على قوله وعادت إلى الحديث عن الابنة :
-أعدها إلى المدرسة, فالمسافة التي يقطعها الحمار  إلى الحقل هي عينها التي توصل إلى المدرسة .

-أجاب ساخرا :
-أنا ما عنديش البنات للي يقراو.. كن كانت ولد ، فز من عينيا .. و واش قضاو هادوا للي عندهم الإزازه كاع ؟ ياك قراوا حتى حفاوا ،وتياكلوا الدق عند البرنمان..
تعلم انه عنيد ولكنها عبثا تحاول :
-هدوك راهم باغين الوظيف، حُكّلْهم ياكلوا العصى أما بنتنا ، بغيناها تعرف تفك خطها و تتفاهم مع راجلها وولادها ما تبقاش خْراجَه بحالي..
استشاط الزوج غضبا لقولها فنهاها عن الحديث بين يديه نهائيا ومناقشته في شؤون البيت قائلا :
-أنا الراجل هنا..
للحظة ساد صمت كصمت القبور..لم يعد بإمكانها إبداء رأي حتى أنها كانت كلما انتابها مخاض الكلمة ،تذهب إلى الخلاء وتصرخ ملء فمها مخافة أن تفقد القدرة على النطق...
الطفلة ذات الثلاثة عشر ربيعا تبدو مع مر الأيام أكبر ،فهم عمدا يلبسونها ملابس أكبر من مقاسها..
وعندما تشكلت ظلال جسدها الغض وبرز الصدر واكتنزت المؤخرة وشوش أمها :
-اسألي ابنتك إن كانت قد بلغت المحيض..
ألقى سؤاله في وجهها كمن يغيث العطشان بماء يشوي الوجوه . بكت الصغيرة بكاء مريرا ،لقد فهمت المغزى من السؤال.. أجابته أن نعم ..فأتى القرار حاسما :
- صافي،غدا اخوي على ديك البرهوشة صطل د الما ،لبسيها القفطان تاع جدّه باش نضربوا صداق..
حكمه نافذ) وللي خالفُه يرعف(.. لاتحكيم فيه إلا لعادات بالية، ما أنزل الله بها من سلطان ..
يوم الصباحية، استشاط الجميع غضبا فقد شكا العريس )ذلك الرجل الصغير( قائلا :
-تبا ، لقد باتت في حضني وردة شائكة..
وفي اليوم التالي ، ،فكوا ضفائرها وزينوها ..نامت كما تنام في حضن والدها، رأت في منامها رجلا يعبث بها ،بينما هم يصفقون ويصرخون) :اعطيونا سروالنا نمشيوا فحالنا(
مر أسبوع يتيم على زواجها عندما أدخلت الحماة رأسها من النافذة الموجودة في ظهر الغرفة وسط الزريبة ..ونفثت كلمات لم تتوقعها :
-تيِّ واش راكي ف كونجي؟ أ نوضي طلقي شياه وحلبي البكرات وخبزي كصعه بطبوط.. وتا يا عرْت الرجال ،فطر وجر جْرْوتك للبلاد تحشوا الفصّه..
مرت شهور فقط على زواجها عندما حدثتها الحماة عن حملها الذي تأخر وأن الوضع غير مطمئن :
-ياكما تي عشك خاوي؟حنا باغيين الولاد للي يزرعوا ويحصدوا ويهزونا ملي نكبروا..
لم تنبس ببنت شفة تلك العروس الصغيرة ..عيناها فقط من أرسلت دمعات حارقات ..
كانت قد أتمت السنة في بيت زوجها عندما قالت للحماة يوما :
-خالتي ، راني عييت .مصاب كن تردوني لدارنا ..بغيت نمشي نسرح الشياه ونلعب شريطه .وف الليل ،نعس حدا مي. وملي يحصد با يكسيني ..
لم تجبها ، أهدتها صفعة على خد وأهداها الزوج صفعة على الخد الآخر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تجاعيد على قلب صغير

( التجارب المخبرية :محنة للحيوان ,منحة للانسان)

(سجان من غوانتانامو )