نهم

نهم 

يحكى أن
أمريكا حكى لي عن مدى  نهم الأمريكيين وتعطشهم للقراءة، وعن أمريكا  كما بدت له
قائلا : بمجرد نزولي من الطائرة، دهشت لمظاهر الحياة الباذخة ... أصابني دوار من شدة تحديقي ببرجي مركز التجارة العالمية،(بمنهاتن) ومقر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) . هالني منظر تلك البنايات التي تماثلت للشفاء من كارثة 11سبتمبر..
انتابني حنق شديد عندما تذكرت شوارع حيي والبيوت الآيلة للسقوط ..بكيت ولسان حالي يقول :
تبا .. كم أتمنى لو أنني أستطيع جر أمريكا إلى شوارع وأزقة وطني !
كنت أسير في اتجاه عنوان الاستضافة ،بينما إعجابي يتصاعد إلى حد الانبهار .
مرت أيام وشهور على وصولي، فضولي يدفعني لدس أنفي في كتابات الغرب وفلسفته في الحياة جملة وتفصيلا لأنهل منها حتى الامتلاء...
تأملت أمريكا من الداخل ،وفي غمرة التأمل، استحضرت مخيلتي طيف حيي الصفيحي ،وأزقة تتوسطها جداول المياه العادمة، وكل مشاهد البأس
انقطع شريط الذكريات وتحول تفكيري إلى صخب الشارع الطويل :يافطات الملاهي والمقاهي والمطاعم ،صخب الباصات والسيارات يصم الآذان. الشوارع يقظة ليلا ونهارا، نبضها متسارع تحت وطأة المدنية ،هرولة في كل اتجاه .عيون ملونة تسرق نظرة من ساعات الأيادي على عجل. يبدو الشارع كمصنع يصارع الزمن ليحصد إنتاجية أكبر. حركة دائبة ،عمال نشطون كما خلية نمل في أيام صيف سِمانِِ .. لا وقت للإضاعة ..الشعار هو الإنتاج والإنتاج فقط. دهشت لعمل خلية النحل تلك ،وفي غمرة الدهشة تستحضر مخيلتي المتعبة شوارع مدينتي الخالية إلا من المتسولين والمتحلقين حول لوحة "ضامة"، قصد قتل عدوهم اللدود :"الوقت"..تذكرت حينها عبارات زجلية من إبداعك يامليكة..
اللي قتل الوقت/يْوَجّدْ دَيْتُه ..وتذكرت قصتك القصيرة جدا  وقتي عمري)
)كلما حدثتني نفسي بقتل الوقت ، أ تذكر أن عمري يتثاءب في حضنه وأن أي خطأ في تحديد الهدف سأكون من يدفع الثمن .. (
أويت إلى ركن من حديقة عمومية ،أتأمل الحياة الأمريكية..جلس قربي شاب، ألقيت التحية ،وسألته عن سر عكوف الجميع على القراءة في كل مكان :
-هل تخلدون اليوم العالمي للقراءة ؟
أجابني :
_ أنت عربي أليس كذلك ؟
ألقى الجملة في وجهي كدلو ماء حار، وانسحب كطيف من عتمة ،لم ينبس ببنت شفة بعدها ..شممت في عبارته رائحة عنصرية زلزلت على إثرها زلزالا..قمت أجر الخطى باحثا عن جواب يشبع فضول،بينما يثير إعجابي عكوف الشباب والشيوخ على القراءة بنهم .. كتاب في يد ،ووجبة باردة أو مشروب في أخرى.
يمر الوقت لا يلقون له بالا ،عيونهم زائغة في الصفحات كمن يبحث عن إبرة في كومة قش.
وخزات الفضول دفعتني لمغادرة مقعدي رابطا جأشي لأسأل أحد المارة :
-لو سمحت ،ماذا يق... ؟
حدق بوجهي مبتسما وما أن أمعن النظر في صدري، حتى أعرض عني مهرولا نظرت بدوري إلى صدري، فعلمت للتو سبب إعراضهم عني، وازدرائهم لي:كنت ألبس قميصا كتبت عليه عبارة بالإنجليزية : I am Muslim and I am proud ..
هممت بمغادرة المكان في حنق ،وبينما أنا أمشي مطأطأ الرأس، التقى كتفي بأحدهم ..سقط من يده كتاب .انحنيت لالتقاطه أدبا،وحينها فقط وجدت الإجابة على سؤالي . .كان كتابا يحمل عنوان: (فوبيا الإسلام )..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تجاعيد على قلب صغير

( التجارب المخبرية :محنة للحيوان ,منحة للانسان)

(سجان من غوانتانامو )