يهب ما يشاء لمن يريد

  يهب ما يشاء لمن يريد

عائشة امرأة لبيبة ،تعرف أن أقرب الطرق إلى قلب الزوج معدته ،وعليه ، تتفنن في تهييء أنواع المعجنات التي يعشقها :آش من بطبوط ،واش من بوِشِيّّار ) ملوي(، واش من خراّنكو (بغرير)...؟ !
تتفنن أيضا في استعمال وسائل الزينة التقليدية ،تراها تعمل على إبراز خديها كتفاحتين ناضجتين من تفاح الوطن ،بوضع )لعكر الفاسي( حتى إن تأملتها ،بدت كعروس أيام موسم الخطوبة في إيملشيل..
عندما تخضب شعرها بحناء مزجت بالقرنفل والورد تفوح منها رائحة تغنيها عن العطر الكيماوي. لكنه إذا جف ،بدا مثل ) لْوْكيدْ: روث البقر اليابس( ،لايفارق شعرها أسبوعا كاملا في انتظار جمع كمية كبيرة من )لوكيد(من الحصيدة لتسخين الحمام التقليدي.
لاتضع أحمر شفاه :تطبخ البنجر، تطحنه،تخلطه مع أي كريم وتطلي به شفتيها ثلاث مرات يوميا لمدة معينة ،وبعد التوقف ،تبدو الشفاه كأن توردها هبة من عند الرحمن..
كلما عاد من الحقل مساء ،تحضر مقراج الماء الساخن، بانيو ،وشيئا من الملح ،تجلس أمامه تنهمك في دلك قدميه..
عند نضج الزيتون في الشجر ،تخرج في الصباح الباكر يوميا لمدة شهر تقريبا من أجل جني والتقاط الحب المتناثر هنا وهناك ،حتى تتشقق يداها من شدة البرد.. هذا وغيره كثير مما تتقرب به زلفى إلى سي محمد ، لم يشفع لها عنده ولم يثنه عن تصميمه الزواج من ثانية ، بحجة أن البنات يحتجن أخا ذكرا يحميهن ويخلد اسمه بعد عمر طويل ..
عائشة اللبيبة الأصيلة،تناست الأمر وظلت إلى جانبه تبني مجده لبنة ، لبنة ، وفي كل حمل يكبر الحلم بإنجاب ولد ، ولا يكون إلا ماشاء الله .تزداد هي أملا ، ويزداد هو إصرارا على طلب الولد..
بعد مرور ثلاثين سنة على زواجهما ،وبعد أن شارفت على سن الأمل ، أصبحت حاملا للمرة السابعة ،وكان المولود ذكرا ،عندما أجهضت..
في سنها الخمسين، يئست عائشة من المحيض ،عندها فقط ،حملت من الهم والخوف ، ما إن وزع على كل النساء لكفاهن ..صادف هذا الحال ولادة أول حفيد لهما وكان ذكرا ، تحايلا على والده ، وأقنعوه أنه ظروف عمله فرضت عليه العيش بعيدا عن بيته ، الآن وقد ازدان فراشه بمولود ، تحتاج الأم الشابة إلى من هو أكثر خبرة وحكمة ليتولى العناية بالمولود الجديد ، ولن يكون ذلك الشخص إلا جده وجدته ..فوافق..
كان الطفل كلما كبر ، زاد تعلق الجد والجدة به، حتى أصبح قرة العين .إلا أن الرياح غالبا ما تجري بما لا تشتهيه السفن ..أنهى الأب مدة خدمته في الجندية ، وعاد إلى حضن عائلته.طالب باسترداد ابنه ، فتمنع الجدان .تصعد الموقف بينهم ،وحل الأمر بشق الأنفس..
حينها فقط قرر الجد الزواج مهما كلفه الأمر..وكذلك كان .أصبح للسيد محمد الجواهري ولدان :علاء ،سبع سنوات ، معاق ذهنيا .علي ثلاث سنوات يقول للبلاء طر أو لنطير معا..
الابنة البكر طلقت مؤخرا وفي حضنها ولدان :سعد، أربعة عشر سنة ، وخالد خمس سنوات .عادت إلى بيت الوالدين ،اعتبر سعد البيت بيته لشدة ارتباطه بجديه وخالاته ، اتخذ من أخواله الصغار ،علاء وعلي ،إخوة يلاعبهم ويستأنس يهم .أثناء اللعب ، امتدت يد علاء إلى بندقية صيد أبيه ،حسبها لعبة من لعب عاشوراء ، هرع إليه سعد في محاولة لإبعادها عنه،فضغط على الزناد في صدره الصغير..
تمخض عن هته الحادثة مايلي :
الجد رهن الاعتقال، بتهمة حيازة سلاح بدون ترخيص
سعد، يقضي عقوبته في الإصلاحية
علي تحت التراب
فسبحان الله الذي يهب ما يشاء لمن يريد ،ويمنع!..


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تجاعيد على قلب صغير

( التجارب المخبرية :محنة للحيوان ,منحة للانسان)

(سجان من غوانتانامو )