مهنة المتاعب

 

مهنة المتاعب
كنت الى عهد قريب أعتقد أن الصحافة هي مهنة المتاعب الوحيدة ..لكن وبحكم قربي الشديد من أصدقاء لي في مهنة التمريض و بحكم ترددي على المستشفيات لدواعي شخصية استطعت تكوين فكرة تصب في هذا الاتجاه...المحاكم ومخافر الشرطة تعج بدعاوى تقدمت بها ممرضات  ضد مواطنين  اعتدوا عليهن أثناء مزاولة عملهن أو خارج مؤسساتهن ..الانتهاكات كانت في الغالب الأعم تحدث في قسمي المستعجلات وقسم الولادة ..

كما هو معلوم أقسام المستعجلات تعج بحالات لا تعد ولا تحصى من المرضى والجرحى, بينما النقص مهول في عدد  الممرضين يؤكد هذا إحصاءات وزارة الصحة  التي تقدر الخصاص بـ 12.000 ممرض، كما يظهر النقص أيضاً في التقرير السنوي لمنظمة الصحة العالمية التي خلصت إلى أن  المغرب لا يتوفر إلا على تسعة ممرضين لكل 10.000 نسمة فيما يبلغ المعدل بدول شرق الأوسط 15.45، ويرتفع عدد الممرضين والقابلات حسب المنظمة إلى 29.689 شخصاً.

يتحمل الممرض ضغطا خاصا :قد يتأخر الطبيب أثناء معاينة حاالات أكثر استعجالا في قاعة أخرى من نفس القسم أو في قسم أخر في نفس المستشفى فيثور المواطن في وجه الممرض ويكيله كل ألوان السب  وقد يتطور الأمر إلى اعتداء جسدي..

أحيانا يكتب الطبيب استمارة  لتحويل مريض إلى مستشفى أخر.. ترفض العائلة ويرمي بالاستمارة في وجه الممرض الذي يحاول إقناع العائلة بضرورة تنفيذ الأمر لمصلحة المريض  ...ولكن الأمر يخرج عن السيطرة فيتم الاعتداء على الممرض...

الأسباب قد تكون بسيطة ولا تستدعى التصعيد إلى درجة الأذى اللفظي أو الجسدي ..فقليل من الصبر والحكمة من الطرفين قد تنهي الخلاف ..

في قسم الولادة يتم استقبال حامل.. تباشر الممرضة عملها,  المرافقة أو المرافقات يبدين إصرارا على حضور عملية التوليد ..أمام امتناع الممرضة, يتطور الأمر إلى السب واللعن وأحيانا الاعتداء الجسدي ..

هذا الوضع غير مريح بالنسبة للممرضة ناهيك عن كونه غير قانوني ..فهي تحت ضغط سوء الفهم  والتعنيف تباشر عملها في حالة نفسية قد لا تسمح لها بالقيام بعملها على أكمل وجه... هذا الوضع يتسبب في تعطيل مصالح حوامل أخريات في نفس وضع الحامل موضوع الحديث..

يعلم المواطن أن له حقوقا كما يعلم ان له واجبات تجاه الممرض وفي حال عدم معرفة المواطن بواجباته تختل الموازين ..

سوء الفهم هذا مع عدم اطلاع المواطن على واجباته وحقوقه , يتسبب أحيانا  في نتائجه كارثية ... وفي هذا الصدد أذكر قصة ممرضة, استقبلت امرأة حامل في ليلة من ليالي الصيف الحارة , شغلت جهاز التكييف لخفض حرارة الغرفة  ومساعدتها على الوضع في جو معتدل.. تمت الولادة في ظروف عادية.. غادرت الممرضة المستشفى صباحا فإذا بزوج السيدة  يلحق بها ويكيلها أنواعا من الشتائم  والركل والصفع بدعوى  تشغيل المكيف  الشديد البرودة..

سوء فهم اخرحدث على إثر ولادة طفلين ميتين في إحدى المستشفيات..  عملية التوليد تمت في أيام مختلفة من الأسبوع وعلى يد ممرضتين مختلفتين   ..

عائلة الطفلين هاجمت الممرضات بعنف.. هذا أطلق العنان لمسلسل رعب منقطع النظير بين سب وشتم ومحاولة ضرب وتهديد بالقتل وجلب حشود من المواطنين للتظاهر أمام بوابة المستشفى ..أصبحت أسماؤهن على كل لسان ... أعطت السلطات المعنية  الأمر حينها بإجراء تشريح لتحديد سبب الوفاة وكما تم  على مستوى المستشفى الرجوع الى الوثائق الرسمية المعمول بها والمصاحبة للمرأة الحامل منذ دخولها القسم إلى أن يتم الوضع ...

بعد التمحيص والتدقيق والتحريات ,ثبت أن المواليد موضوع الحديث كانت حالتهم الصحية خلال تلك الفترة  غير مستقرة مما وضع احتمال عدم قدرة المواليد الجدد الصمود حتى الولادة  ..

صب  تقرير الطبيب الشرعي بعد التشريح  في نفس اتجاه تقرير المستشفى.. فتمت تبرأتهن من التهم المنسوب إليهن ...

سوء فهم المواطن لمجريات الأحداث في أقسام المستشفيات المختلفة يتسبب أحيانا  في أضرار جسيمة للممرض .. وهنا أفتح قوسا للحديث على أثر هذه الحادثة على الممرضتين موضوع الحديث : دخلت الممرضات موجة اكتئاب استعصت على العلاج, يعشن تحت رحمة الأدوية ومضاعفاتها دمرت حياتهن الأسرية : الأطفال يعيشون شتاتا بين أم مريضة وشبه مختلة عقليا وأب مصر على الانفصال ,كل هذا لأن عائلات الموتوفون لم يتريثوا الى حين ثبوت تورطهن فيما نسب إليهن إن عن قصد أو خطأ..  هؤلاء المواطنون وهم يدافعون عن حق مشروع اعتمدوا أسالب غير مشروعة, نسوا أو تناسوا أن القانون في مثل هذه الحالات لا يرحم لأن الأمر يتعلق بأرواح بشر  .. يجب فقط التريث وترك القانون يأخذ مجراه

نخلص من هذا الحديث أن وعي المواطن قيمة إنسانية ..وفي غياب الوعي تصبح الدنيا كغابة نقتص فيها من بعضنا لافرق في ذلك بين الإنسان والحيوان ..لهذا ولغيره مما لم أذكر, أعتبر مهنة التمريض مهنة متاعب بامتياز...

            

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تجاعيد على قلب صغير

( التجارب المخبرية :محنة للحيوان ,منحة للانسان)

(سجان من غوانتانامو )