شيماء والرعد







                      
ابنتي شيماء،طفلة مرحة، البسمة تعلو دوما محياها
يميزها حس النكتة والدعابة . 
في يوم ممطر وبينما هي عائدة من المدرسة،أبرقت السماء  وأرعدت .. يومها ذاك كان مشهودا ..
دخلت وقد علا وجهها شحوب وأصيبت بتعتعة... تأملت شكواها بدا  أنها أصيبت برهاب الظواهر  الطبيعية في سن مبكرة.
أوت إلى غرفتها ترتعد وتصم أذنيها بيديها الصغيرتين.
تصرخ تبكي وتسألني أن أحضنها مخافة أن يتوقف قلبها
نامت الصغيرة بعد جهد جهيد.في الصباح فتحت عيونها الجميلة ...
أطلقت لها العنان تجول في أرجاء الغرفة كانت تتحسس صوت الرعد.. .
جلست قربها أداعب شعرها وأحثها على النهو ض
هي ترفض الذهاب إلى المدرسة وحدها فصاحبتها .
غادرت المدرسة مهرولة لا تلقي بالا  لموطئ قدم
فتسقط أرضا بين الحين والآخر...
أصبحت تعيش حبيسة حواسها تتحسس موضع قلبها تحسب دقاته المتسارعة
تحدق بأطرافها التي اعترتها رعشة,تمسك بثيابي مخافة أن أتركها...
انتهى فصل الشتاء ,كسيت الارض حلة  بهيجة...وعادت شيماء لتصبح محور الأسرة من جديد ..انتهت السنة الدراسية  
قررنا  إدخال البهجة على قلبها وطي صفحة سنة أليمة...سافرنا إلى مدينة ساحلية حيث كانت
 حرة طليقة بين الرمال الذهبية ومياه البحر الزرقاء.كانت تأكل ما لذ وطاب من مثلجات ومشروبات ..كم  قصورا رملية شيدت وكم أتحفتنابحس الفكاهة ذاك ... 
جاء الدخول المدرسي ذهبت لا تلقي بالا لشيىء
 وكنا نراقب سلوكها عن بعد. 
هطلت زخات مطر.. فبادرت بالسؤال: 
_هل سيعود الفصل الماطر من جديد.
أجبتها وقد تذكرت مرارة أيام خلت :  
_ نعم سيعود

طأطأت شيماء رأسها وجلست بعد أن كانت واقفة دست وجهها في كفها وركزت بصرها على موطىء قدمها.
علت وجهي  بسمة ذابلة منبعها الإحساس ببداية المعاناة من جديد ...
بقي الحال على ما هو عليه سنتين كاملتين ..  تتخلف عن المدرسة بين الفينة والأخرى ...ضعف تحصيلها الدراسي ...
         ومع ذلك لم تستطع التغلب على رهابها
ضاقت بنا الأرض بما رحبت واعترانا الخوف مما سيؤول إليه حال الطفلة.فاُحتسبا الأمر لله.في يوم من الأيام جلست أقرأ القرآن .
جاءت شيماء كعادتها وجلست في حضني
وبينما أقرأ توقفت عند قوله تعالى:(ويسبح الرعد بحمده…) فقت لها:
أرايت يا شيماء إن الرعد الذي يرهبك هو مخلوق مثلي ومثلك .قالت :وهل يمشي حافيا وتضربه أمه؟ قلت:لا ياُبنتي إنه مخلوق نسمع صوته ولا نراه
قالت مبتسمة:لماذا هل يلبس طاقية الإخفاء؟
قلت:خلق الله المخلوقات فمنها ما نرى كالإنسان ...ومنها ما لا
تقوى حواسنا على إدراكه كالرعد والريح والحرارة والملائكة…فهاته المخلوقات نحس أثرها ولا نراها فسبحان الله!
قالت :وهل الرعد يسبح كما تفعلين عقب الصلاة ؟
قلت:إن الصوت الذي يرعبك هو صوت تسبيح الرعد فهل دوي الرعد يخيفك حتى وإن كان مجرد تسبيح لله بطريقة مختلفة عن طريقة أمك ؟
قالت ريم وهي تقهقه :يالغبائي.كيف أخاف  صوت الرعد إنه مجرد تسبيح!
هرعت شيماء إلى الشارع تلعب مع صديقات الحي تحت زخات المطر وهي تردد قوله تعالى:
(ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته).




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تجاعيد على قلب صغير

( التجارب المخبرية :محنة للحيوان ,منحة للانسان)

(سجان من غوانتانامو )