لماذا تراجعت الأرملة عن متابعة قاتل زوجها؟

  

لماذا تراجعت الأرملة عن متابعة قاتل زوجها؟

في هذه القصة ,أدرجت أسماء وأماكن لصياغة مشاهدها..وأي تشابه بينها وبين أحداث قصص كتاب أخرين, هو مجرد صدفة ليس إلا ..

أحداث القصة تمت عندما كنت في سن الحادية عشرة ..حتى الساعة, أتذكر أدق تفاصيلها  الشيء الذي شجعني  على كتابتها ..أرجو أن تروقكم 

على بركة الله نبدأ..

القصة  تتناول  موضوع مقتل جزار بحي شعبي بنواحي مدينة مكناس عرف ببشاشته   وجوده وكرمه .. يقال له  المراكشي ,نزح الى مدينة مكناس ليلحق بأخته الكبرى التي انتقلت قبله للعيش هناك  .. كان من أشهر الجزارين  في المنطقة  ,  أغلب زبائنه فقراء  يشترون اللحم مداينة .. وقلة هم من كانوا من علية القوم  ..

المراكشي وجد مقتولا في محل جزارته ليلة السادس والعشرين من شهر فبراير 1976م .. الغريب في هذه القصة انها لم توفر ادلة مادية توجه البحث الجنائي .. لا توجد  اداة للجريمة

 ولا  متهم بعينه  

لم  يستطع  أي شاهد إثبات الاتهام على شخص بعينه ..كل ما هنالك :بصمات مختلفة ,جثة و خمس رصاصات  ..

   أغلبية البصمات تعود الى الهالك  وبناته وزوجته..وجود بصمات العائلة الصغيرة له ما يبرره فالأطفال والزوجة كثيرو  التردد عليه ..احدى البنات ترتاد مدرسة قرب محل عمله والاخريات يأتين صحبة والدتهن يحملن  اليه وجبة الغذاء .. 

 البصمات الغريبة  كانت قليلة .. الورقات النقدية التي وجدت متناثر عبر انحاء محل الجزارة فيها بصمات المرحوم..

بعد نقل الجثة الى مستودع الاموات أثبت اختبار الطب الشرعي أن الجزار فارق الحياة على اثر اصابته بثلات رصاصات على مستوى الصدغ والبطن والصدر  ..   في مكان الحادث , عثر المحققون على رصاصتين  احداهما في الحائط خلف مكان سقوط الهالك والاخرى على الارضية في نفس المكان ..

خلص التحقيق الى ان مصدر الرصاصات الخمس واحد   هذا المصدر هو مسدس  تحمل رصاصاته  توقيع جهة نافذة في البلاد..

  بعد تلك التحريات وذلك الكم من المعلومات,  تم توسيع دائرة البحث لتشمل : 

-الحارس  الليلي للحي 

-شبان القرية الذين عرفوا بسهرهم الى حدود الفجر يوميا في مقهى للعاطلين ومتعاطي الخمور بمحاذاة المجزرة  

--شاهد العيان الذي شاهد السيارة المذكورة في التحقيق  

- زوجة الهالك   

-- الميكانيكي

 بدأ التحقيق  وتم استدعاء حارس الحي ليدلي بأقواله :راى المحققون ان  الحارس  يشكل الخيط الأول في القضية من جهتين : الجهة الأولى من حيث كونه يسكن قرب المجزرة ..    

 الجهة الثانية :ساعة تمشيط  المحققين  للمجزرة من الداخل لاحظوا  أنه قد تمت سرقة مال الهالك .. دلهم على ذلك وجود أوراق نقدية متناثرة على الأرضية وتحت الدرج المخصص لعائدات البيع ..هذا الأخير فارغ تماما على الرغم من أن الهالك باع لحم الثور الذي ذبحه يومها بأكمله اللهم رجلا واحدة  بقيت معلقة  على جدع شجرة  خارج المحل  صحبة جلد الثور ورأسه..

  المنطق ساق المحققين الى الشك في الحارس لأنه الوحيد الذي يفترض به  التواجد أولا في ساحة المجزرة.. الحارس أخبرهم أنه عاد إلى بيته قبل الغروب  لمرض ألم به ونفى  ان تكون له أية صلة بالقتل او القتلة ..أجهش باكيا لأن الله لم يرزقه أولادا  و المرحوم كان  الولد الذي لم يلده من صلبه  ..

أمام عدم كفاية الأدلة , جال بخاطر المحققين أن المنطق الذي جعلهم يشكون في أمر الحارس هو عينه المنطق الذي يقول:   لو كان الحارس ليلتها يقوم بمهمته في الحي وحول المجزرة ولو لم يكن غائبا كما قال  للاقى حتفه هو الأخر ,ذلك أن المجرم لن تفوته فكرة تصفية أي شاهد ؟ وعليه ,فلانه كانت لديه حجة غياب متماسكة ومبررة تمت تبرئة ساحته.. 

الفأة الثانية التي تم التحقيق معها هي مجموعة من شبان الحي الذين  سهروا ليلتها في المقهى الى ساعة متاخرة:  

هؤلاء تم استبعاد تورطهم  واعتبروا شهودا على الحادث وذلك عندما اخبروا المحققين انهم سمعوا طلقات نارية عديدة خرجوا على اثرها لاستقصاء الامر فإذا بسيارة حمراء اللون من الحجم الصغير تغادر ساحة المجزرة بسرعة فائقة لتتجه الى وجهة غير معروفة..

 تمكنوا من التقاط رقم لوحة  التسجيل الخاصة بها بفضل أضواء الساحة الامامية لمجزرة الهالك و التي كانت مضيئة الى درجة كبيرة..أخبر الشبان المحققين  أيضا أن  المشهد  في مكان الجريمة كان  داميا ومريعا :  الثلاجة  مخضبة بالدماء ..  الجزار  ملقى على وجهه  لباسه  أصابته حروق على شكل دائري  يتوسط كل دائرة ثقب يفور دما... البذلة البيضاء  كسيت دما ...والدماء شكلت بركة  عند قدميه...  

هنا أيضا المنطق  جعل المحققين يستبعدون  احتمال تورط الشبان في الجريمة أولا لأن هناك شهود على  تواجدهم معهم قبل أن يسمعوا الطلقات  كصاحب المقهى  ذلك الرجل الكهل وأخرون تخلفوا عن مرافقتهم ..  

ثانيا المنطق أيضا يستبعد أن يكون الشبان شركاء للقتلة ثم يبلغون عن سيارتهم ويدلون برقمها للمحققين ..وعليه فقد تمت تبرئتهم  ..

 انتهى التحقيق معهم , طلب  منهم المحققون عدم  التردد في الاتصال بهم متى تذكروا معلومات جديدة في القضية..

البحث بخصوص رقم السيارة أثبت أنها  ملك شخص سبق أن قدم شكاية باختفائها في ظروف غامضة ..أدلته كانت  قانونية ومقنعة .. بعد مدة من البحث , تم استبعاد احتمال تورطه هو الأخر بالقضية.. 

خلال فترة التحريات تلك طرق باب المحققين  أحد سكان الحي لديه معلومات عن القتلة المحتملين ..

اخبرهم الشاهد أنه حوالي الساعة الرابعة بعد الزوال  من يوم السادس والعشرين  فبراير لاحظ وجود سيارة حمراء من الحجم الصغير في الحي  يركبها اربعة رجال ما بين سن الاربعين والخمسين   توقفت السيارة ونزل احد ركابها كان طويل القامة اسود العينين أشعث الشعر  خشن الصوت  ..أخبر المحققين أنه  كان طيلة ذلك الوقت يراقبهم باستغراب إذ كيف  يتحدثون الى الصغار بدلا من سكان الحي الكبار ..

توجه نحوهم عارضا المساعدة بصفته أحد سكان الحي.. صده  ذلك  الرجل بعنف قائلا :لم أطلب مساعدتك..

 ارتعدت فرائصه  من غلظة الرجل الذي عاد الى السيارة ثم  غادر المكان .. أخبر المحققين أنه ذهب يستطلع الامر عند الصغار  : فأخبروه أنهم يبحثون عن مكان سكنى الجزار  المراكشي.كا ن الأمر صادما خاصة و أن محل جزارة الهالك يوجد في مدخل الحي ,بينما سكناه توجد  وسط الحي على بعد كيلومترين أو أكثر ..أخبر المحققين أنه أطلع الجزار على الأمر فقال له :قد يكونون زبناء جدد لا يعرفون الحي..  عرضوا عليه صورا لمجرمين ,لكنه لم يتعرف عليهم..

أصاب المحققين إحباط شديد لكون كل الخيوط التي حسبوها قد توصلهم الى الجاني او الجناة ما تلبث ان تنقطع ...  استمرت التحريات والتحقيقات لأسابيع دون  أية  نتيجة ..

امام عجز المحققين عن القبض على القتلة أصبح الحي في حالة غليان  وغضب .. فكيف يعقل ان تحدث جريمة شنعاء في حي عرف بالأمن والطمأنينة منذ عقود خلت ؟ وكيف يفلت قتلة من العقاب بسهولة ؟

في غمرة الغليان تلك ,توصل المحققون بإشعار من طرف شبان الحي الذين سبق التحقيق معهم  بوجود معلومات جديدة تخص مقتل السيد المراكشي .. 

فرح المحققون وتحمسوا لعل  لغز القضية يحل ..  الشبان تذكروا أنهم ساعة هرولتهم نحو المجزرة وجدوا هناك شخصا يقال له الميكانيكي تعجبوا ساعتها من سبب تواجده في موقع الجريمة وفي تلك الساعة المتأخرة من الليل مع العلم أنه يسكن في محيط سكن الهالك وليس قرب محل عمله...أخبرهم الميكانيكي انه متأسف لمصير الجزار لقد بدا متأثرا جدا لما حدث له  ..  

بينما هم يبكون متألمين من هول ما حدث ومن مصير ذلك الجزار المحبوب لديهم  جميعا ويبحثون في محيط المجزرة ,تسلل  الميكانيكي وغادر  دون توديعهم.. هذا أثار  تساؤلاتهم   واستغرابهم ...

   حركت السلطات مسطرة البحث عن المدعو الميكانيكي ..مباشرة بعد توصلها بإشعار المحققين.. 

شملت مذكرة الاستنطاق محيط الهالك وخاصة زوجته ..السيدة كانت في الثانية والثلاثين من عمرها وأم لخمس بنات أكبرهن في سن الرابعة عشرة وطفل وحيد  في سن السادسة ...

بدت السيدة متأثرة لموت زوجها وخائفة من أسئلة ونظرات المحققين ...خلص الاستنطاق  الي انها لا دخل لها بمقتل زوجها وشهد الشهود من ساكنة الحي انها امراة بيتوتية لاتغادر البيت الا ب صحبة زوجها  أو أبنائها فهي تكاد لا تعرف احدا عدا أخت زوجها وجيرانها ....

 كان المحققون بين الفينة والأخرى يطرحون عليها أسئلة مستفزة  يقسون عليها تارة ويشجعونها اخرى على البوح بما تعرف إلى ان كشفت عن خيط ... 

تذكرت الأرملة  ان زوجها قبل موته بأشهر باح لها بأمر أخافهما  معا :أخبرها أن رجلا يقال له الميكنيكي اعترض طريقه يوما وحذره من السير عبر طريق المدرسة الجديدة الى البيت ليلا.. وعلل قوله بأنهم قد يقتلونه..

قالت إن الميكانيكي اكتفى بقوله ذاك ورفض إعطاء التفاصيل ..اما زوجها فقد طلب منها التكتم على الأمر..

 قبل انتهاء التحقيق نصحها المحققون بعدم التردد في اخبارهم بكل جديد في القضية..

 البحث بخصوص الميكانيكي جاء بأخبار تفيد أنه رجل في الاربعينات من عمره ,أعزب ..ليست له سوابق ..نقل ورشته مؤخرا الى منطقة سبع عيون .. السيد  أبدى  رغبته في التعاون مع السلطات  شريطة حمايته باعتباره شاهد في تلك  القضية الدامية ..  شعر المحققون بارتياح لكونهم  سينتهون من قضيتهم تلك ويغلقونها نهائيا.. 

ضربوا   معه موعدا ..وصلوا في الوقت المحدد  ليجدوا الرجل جثة هامدة في ورشته على إثر طلقة نارية على مستوى الرأس..  

الحادث جعل المحققين يتاكدون بأن مقتل الميكنيكي متعمد .. الفاعل أو الفاعلون أرادوا إسكاته وطمس معالم جريمة قتل  السيد المراكشي  ..

مضت أشهر على مقتل المكانيكي , عندما أتى رجل غريب عن الحي الى بيت الجزار أخبر أرملته أنه  من معارفه  جاء يقدم العزاء  ..أسر  إليها أن زوجها  تعرض للقتل  عندما  اطلع على امور ماكان عليه الأطلاع عليها ..لأجل ذلك كان لابد من تصفيته ودفن سره معه حتى لا يكون سبب ازعاج لبعضهم  .. الارملة لاحظت أن الغريب تعمد إظهار سلاح ابيض في خصره حتى لا تصرخ ليجتمع الناس  من حوله,  نصحها بأخذ العبرة من مقتل الميكانيكي , وحذرها من مغبة البحث في مقتل زوجها  حتى لا تدفع ثمن ذلك حياة ولدها الوحيد..  لم يغادر الغريب البيت الى ان وعدته بعدم تحريك مسطرة البحث عنه .. تم ذلك  على مرأى و مسمع  بناتها الخمس وولدها الوحيد ..

 نظرا لعدم كفاية الادلة ضد كل الذين تم التحقيق معهم , ونظرا لتورط اطراف نافذة في المجتمع  وشى بها سلاح الجريمة , بادرت الجهات المختصة,  

بتسجيل القضية ضد مجهول...

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تجاعيد على قلب صغير

( التجارب المخبرية :محنة للحيوان ,منحة للانسان)

(سجان من غوانتانامو )