هل سيتحول الجني الى ادمي؟


هل سيتحول الجني الى ادمي؟


البيت الذي سكنه   محمد بيت لا يكاد يستقر فيه أحد من سكانه ,ف كل الذين سكنوه من قبل يعرفون أن جنية ووالدها المسن يسكنانه.. وكل من سكنه يخرج حاملا ذكرى أليمة معه.. محمد لا يصدق  هذا النوع من الأخبار وهذا ما جعله لا يتردد في سكناه...

بعد وفاة زوجته أصبح محمد يشعر كما لو أن أحدا يشاركه المسكن والمأكل والملبس : أحيانا يعود إلى البيت ويجد أشياءه مبعثرة . أكله ينقص كمية على ماتركه عليه .. لباس زوجته التي احتفظ بها للذكرى في غير مكانها ...أحيانا يشعر كما لو أن أحدا يعبث بشعره  ويحر ثوبه..أحيان أخرى عندما يعود الى  البيت يلاحظ ان الفراش الذي تركه  غير مرتب  أصبح في غاية التنظيم... بل أحيانا يجد على المائدة طعاما كالذي كانت تهيؤه الزوجة ...

حار فكره  ولم يذهب بعيدا في محاولة فهم ما يحدث ...الأن فقط بدأ يصدق الشائعات التي تدور حول البيت ...فماذا حدث بعد ذلك ياترى؟

تجلت له يوما الجنية  اطبته باختصار وخيرته بين الزواج بها أو الغرق في عوالم التلبس حتى الموت...خوفا على نفسه.. قبل عرضها مجبرا ,ورزقا جنيا صغيرا...

كان الصغير في سن العاشرة عندما ضاقت به الدنيا بما رحبت لم يعد يتحمل بشاعة شكلها وشكل أهلها ولا عاداتهم..حتى الجني الصغير كان شكله مقززا ..دخل محمد في موجة اكتئاب الى أن فارق الحياة.

بقي الجني الصغير في عهدة جده  ..ما أن كبر قليلا حتى أخبره بأنه من أصل بشري وشجعه على استعادة أصله والالتحاق بأهله البشريين  

من أجل ذلك أعطاه خطة طريق..امره بالانعزال في مكان هادئ ليرتب أموره...  طلب منه أن يكون كتوما لكي يوفق في هدفه...

فلنر مضمون خارطة الطريق تلك : أمره بحفر حفرة قرب رأسه, في مكان نومه بالضبط .

 عندما ينتهي, يرمي بنفسه في مجاري المياه العادمة ويبدأ في التجذيف الى ان يصل الى حوض كبير .  

 حيث سيجد عن يمينه مواسير المياه العذبة لأول بيت في الشارع..يجب عليه أن  يسلكها الى  أن يصل مغسلة سيدة من البشر في اول حملها ..يتلبس بها ومن ثم يتَغَشَّى حملها..سيلازم ذلك  الحمل الى الولادة ..حينها فقط سيستعيد بشريته..

سرته الخطة ,هوى على جبين العجوز ليقبله فإذا بروحه تفيض الى باريها...ارتعدت فرائص الجني الصغير عندما رأى أخواله يهرعون إلى جثة الجد  فهو يخافهم لأنهم  يعتبرونه عارا على الاسرة ..كانوا دائما يتحينون الفرصة لقتله على الملإ كما قتلوا أمه ..  

رغم حماسه واستعداده,هل سيتمكن الجني الصغير من تحقيق هدفه؟ هذا ما سنراه..

 شرع  الجني الصغير في تنفيذ الخطة  قبل فراغ أخواله من العزاء .. فهم لم يعد هناك من يمنعه منهم الجد الذي كان يحميه قد مات...

بمجرد ان حفر الحفرة في حائط غرفته وخرج منها سدت من خلفه حمد الجني الصغير الله لاجتيازه اول عقبة بسلام...

القى بجسد في الماء , غمره الماء  حتى النحر .أسنانه تصطك لفرط البرودة. التيار يجرفه الى حفرة عميقة ..نفسه تحدثه بالتراجع ..يعود سابحا ضد التيار, لكن امواجا عاتية من القاذورات وأكوام من الجِيَفِ تجرفه يستدير الى الامام سابحا في المجاري....كلاب ضالة   تبحث عن الحيوانات النافقة لتسد بها جوعتها

 الجني الصغير يعيش مسلسل رعب لا قِبَلَ له به ..يسبح تحت الماء حتى يلامس أرجلهم..  يستمر على تلكم الحال حتى يبتعد ويصبح في مأمن منهم..يتابع الجني الصغير المسير في حماس فإذا برجلين مفتولي العضلات يقتتلان..أحس بنفور من صنيعهما ...همهم :لن أكون مثلهما عندما أصبح إنسيا...

أوصلته مواسير المياه العذبة إلى بيت السيدة الحامل ..بقي عالقا بها الى أن فتحت الصنبور وملأت وعاء لتغسل وجهها وأنفها.. قفز داخل الوعاء ...غرفت السيدة غرفة..  دخل فمها احست كما لو ان حشرة صغيرة تتحرك فيه ..بصقت الماء أرضا ثم غرفت غرفة أخرى.. أحست بالأمر يتكرر معها بصقت الماء في المغسلة..وجد الجني نفسه هذه المرة سجين مجرى المياه العادمة في المنزل حينها فقط تذكر أنه سلك الطريق الخطأ ..فالمجرى المقصود هو مجرى الهواء عبر الانف وليس الفم...

عاد ليقفز الى كفها وما أن استنشقت الماء حتى سلك طريقه في اتجاه الرئة ومنها الى الحويصلات الهوائية ثم الى مجرى الدم ليستقر عبر المشيمة  في الرحم  ومن ثمة يتلبس بالجنين..

فرح الجني الصغير لكونه قد اجتاز ثاني عقبة بسلام

عندما تلبس الجني بالجنين حدث تشوه خلقي فيه على مستوى الرأس والوجه

وهذا ما دفع الطبيب الى إجراء ولادة قيصرية...  

الام استقبلت مولودها الذي كان انثى بكل أحاسيس الهلع والكأبة .. تقاعست أول الامرعن حملها وإرضاعها ..لا بل هجرت غرفتها لتتركها بين الجوع والوحدة لساعات..لكن رحمة الله التي وسعت كل شيء جعلت الام تحن الي المولودة الجديدة فتهرع اليها تحملها وتهمس بنبرة مستسلم لقضاء الله :يابنيتي سبحان من صورك لكنني أحتسبك عند الله..

أصبحت الطفلة في سن الزهور ..مرحة  لبقة  وصبورة  تبدد عن والديها سحائب الهموم.

خوفا عليها من التنمر, أقنعها الوالدان بضرورة لزوم البيت وعدم الخروج في غيابهما.. نهياها  أيضا عن النظر الى المر آ ة..

أخوال الجني الفار كونوا شرذمة واقتفوا أثره ..أوصلتهم قدراتهم الخارقة الى بيت الطفلة كانوا يتربصون بها الدوائر كلما غادر والداها البيت .يقتحمون عليها خلوتها,يرهبونها كلما تجلوا لها على هيأتهم الحقيقية  ..ذلك أنه كانت لبعضهم قرون وأذان طويلة.. ولبعضهم ذيول و قوائم كالماعز ...  أخذوا يبعثرونها..ينكشون شعرها ..يكشفون عورتها بحثا عن الجني الابق..

بعد التفتيش المدقق  للطفلة ,يمر الجن الى مرحلة اخرى هي مرحلة التحفيز على التمرد على الوالدين وأوامرهما..يسألونها عن السبب الذي يجعلهم يلزمونها بالبقاء في البيت وعن السبب في منعها من مشاهدة المرآة..تلزم الصمت فيطلقون قهقهات استهزاء ويرمونها بكلمات ازدراء بشكلها .. 

أصابت الطفلة حيرة ..كثرت تساؤلاتها وكثر احراجها للوالدين ولا جواب...الوالدان من جهتهما تسالا عن سر تساؤلات الطفلة حول اختلاف شكلها عن شكل والديها مع انها لم تر وجهها قط؟ ...اجابت الوالدة :يابنتي ما المسؤول بأعلم من السائل؟

خرجت الام كالعادة لقضاء حوائجها...نسيت حقيبة يدها...حملتها الطفلة لتضعها في مكانها المعتاد...لكن فضولها دفعها لفتحها والعبث بأحمر الشفاه والكحل على سبيل التجريب...وقعت عينها على المرآة  ...

فماذا حدث ياترى؟ تحمست الطفلة وفرحت لكونها أخيرا ستتعرف على وجهها..اخذت الحقيبة واتخذت لها متكأ في زاوية من زوايا  الغرفة وأمسكت  بالمرآة ..قالت وهي تتنفس الصعداء ..سأراك يا أنا قبل عودة والدتي.. نظرت وما كادت تفعل حتى صعقت لمنظرها البشع فسقطت مغشيا عليها..

أفاقت بعد مدة ثم عادت لتتأمل وجهها ورأسها  ..وعادت حشود  الجن تتضاحك وتكيلها الوان الشتائم والسخرية..

 عادت الام من الخارج .. وجدت حقيبة يدها بالقرب من الطفلة والمراة في يدها ...هرعت اليها قائلة في حسرة :يابنتي ارحمي نفسك..هل عرفت الان لم كنت اوصيك بعدم النظر الى المرأة؟ 

صرخت الطفلة ..انا لست بشرا لم لم تتخلصوا مني عند الولادة؟..  لأنك ابنتي ولخفة دمك وحسن أدبك أحبك و أراك عادية ...إلا انه عليك التأقلم مع وضعك والتضرع الى الله كي يعوضك عن وضعك خيرا ..ثقي بالله .. اجعلي جنتك في صدرك احمليها معك انى حللت لكي تكوني سعيدة..

كانت الطفلة مرهقة أسندت رأسها الى ركبة أمها ..واستسلمت لمداعبتها.. طلبت الطفلة منها ان تسمح لها بالخروج قرب باب البيت لتستكشف العالم الخارجي.. تحت دعوى انها قد تعرفت على ملامحها واجتازت فترة الصدمة الاولى بنجاح ..اشفقت عليها الام من نظرات الفضوليين وتنمرهم وحذرتها من مغبة المحاولة..لكنها وافقت تحت الاصرار...

ألفت الساكنة شكل الطفلة  وأصبحت محبوبة من الجميع ..إلا أن شرذمة الجن لم يهدأ لها بال ولن يهدأ ما لم تنتقم من الجني الأبق والمختفي خلف أسوار جسد تلك الطفلة..

عادوا من جديد إليها وخطتهم هذه المرة جهنمية إنهم يقسون عليها في تعذيبها من أجل دفعها الى الانتحار للتخلص من الجني النصف أدمي.. كانوا يحضرون الجني بطرقهم الشيطانية من اجل قتله داخلها او إخراجه وقتله شر قتلة ..

في كل مرة تصاب المسكينة بنوبات صرع ..هم يقرؤون طلاسمهم وهي تقرأ أيات قصار تعلمتهن من امها كلما  قرأتها في الصلاة .....

كانت الشرذمة من الجن كل مرة تبوء بفشل ذريع ولا تتمكن من اصطحاب الجني الى المقصلة ...

ازداد ضغطهم عليها الى ان همت في يوم من الايام بإضرام النار في جسدها  لولا تدخل أمها..

 دخلت الصغيرة فترة انطواء وأصبحت طريحة الفراش بين الحياة والموت ...لزمتها أمها  تحكي لها في كل يوم حكاية ومع كل حكاية تتبدد حواجز الخوف وكره الذات ..

حكت حكايا أناس كانوا لا يحملون تشوهات جسدية  بل  أمراضا شرسة  كالسرطان, اقتسمت معهم الحياة .. كانوا كلما رأوا معاقا جسديا يتمتع بالصحة يغبطونه ويستصغرون إعاقته ...

تحدثت الام عن أناس بترت أيديهم أو أرجلهم لمرض أو حادث  واخرون شلت منهم الايدي والأرجل  فلزموا الأرض مدى الحياة ..اضطروا على إثرها إلى تحمل تدمر الاخرين لاعتمادهم الكلي عليهم  الى أن تمنوا الموت لحفظ  ما بقي من كرامتهم..

تفاعلت الطفلة ايجابيا مع حكايات أمها  ونطقت قائلة :-اماه..حسبتني الوحيدة التي تعاني فلما رايت معاناة الناس هانت علي معاناتي فالحمد لله على كل حال..

اصبح من نصيب الطفلة في كل يوم حكاية واستمر على اثر ذلك انقشاع غيوم الالم والهلع والإحساس بالنقص امام كل سوي جسديا..تلاشت صورة الحياة القاتمة من مخيلتها وتسلل الى اعماقها شعاع امل اضاء لها الافق ...غادرت الصغيرة فراشها وعادت تتفقد زوايا البيت التي اشتاقت اليها بعد طول ملازمة للفراش..عادت تحمل المرأة لتبرم الصلح مع ملامح لطالما كرهتها وتمنت سلخها... 

 شعر الوالدان براحة واطمئنان للتغيرات النفسية الايجابية التي أصبحت عليها الطفلة وواظبا على الدعاء بمعيتها لعل الله يحدث من أمرها خيرا .. لأنها لاتزال بين الفينة والأخرى تتعرض الى نوبات صرع...

مرت أشهر على تعافي الطفلة نفسيا لكن تتالت سلسلة من الاحداث كشفت أسرارا لم تكن بالحسبان..

في يوم من الايام  وعلى غير العادة ,امسكت الام المشط لتصفف شعر الطفلة  ..لمست ذلك الرأس الذي  كان  حجمه  وشكله يخيفانها ولا تقوى على تحسسه.. حاولت الام رفع الشعر من الاسفل الى الاعلى عندما لمست اناملها شيئا خشنا خلف اذنيها قالت في قرارة نفسها :-ماهذا الجلد السميك هنا ياترى؟

 اتخذت وضع القرفصاء أمام وجه الطفلة ..وضعت المشط أرضا وطلبت منها الانحناء برأسها الى الامام ..أتعبت الوضعية الطفلة فحثت الأم على الإسراع ...هبت بحزم وأمسكت بطرفي الجلد الخشن جهة الاذن اليمنى واليسرى وطلبت من الطفلة أن تستمسك بنفسها وتصبر قليلا  ...شدته بقوة نحوها والى الاسفل..الأم تجر والطفلة تحت وطأة الالم تنحني وتتراجع الى الخلف الى أن ارتمت كل واحدة منهما في مكان...

بقي الجلد الخشن الذي بدا كشرنقة  في يد الام و انتابها مزيج من مشاعر الخوف والفرح..بينما ابنتها تصرخ من جراء الخوف والألم ..ووجهها ينزف بغزارة..

وقفت الام تتأمل وجه الطفلة ذلك الوجه الذي كان الى عهد قريب يثير الرعب في نفس كل من تأمله وأصبحت تردد قولها :-ماشاء الله البارئ المصور..انك اية في الجمال صغيرتي...

وهرعت الى الشارع تطلب النجدة..تلقت الطفلة العلاجات الازمة وعادت الى البيت تحمل المرآة وتحدث نفسها والفرحة تغمرها

امام مشهد نزع الشرنقة قررت شياطين العالم السفلي التراجع فقد تخلصوا من الجني بنزع ام الطفلة الشرنقة التي كانت دليلا على تلبسه بالطفلة..فتركوها وشأنها..

عاشت الطفلة سعيدة في كنف والديها تحكي قصتها الغريبة ..واصبحت الجدات تتناقل القصة في حكايات ما قبل النوم للصغار..أصبحت القصة أيضا سلوة المرضى الذين ضاقت بهما الدنيا بما رحبت على سبيل العبرة والاستئناس..

أما الأم فرفضت أي حمل جديد مخافة أن تتكرر معاناتها..

بقيت الطفلة وحيدة والديها... تلعب وحدها..تلاعب عرائسها..

وفي يوم من الايام سمعت هاتفا من أعماقها يقول :أنلعب الغميضة؟

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تجاعيد على قلب صغير

( التجارب المخبرية :محنة للحيوان ,منحة للانسان)

(سجان من غوانتانامو )